الجمعة، ١٣ نيسان ٢٠٠٧

حول نشأة الحياة الاولى - الكاتب: الراشدي



جميع اشكال الحياة المعروفة إستخدمت المُكونات العضوية التي بحد ذاتها وعلى حدة لاتعتبر حية، فما هو الفرق بين الحي والميت إذن؟ هل هناك شئ سري في المكونات يحول الميت الى حي؟ هذا السؤال حير الانسان منذ ازمان قديمة وكان السبب لوضعه النظريات الاولى عن كيفية ظهور الحياة والتي وصلت الينا بإسم الاديان. اليوم يقدم لنا العلماء على اغلب هذه التساؤلات اجوبة مختلفة .

انشغل العلماء بالبحث عن كيفية ظهور الحياة على الارض. عند نشوء الكرة الارضية قبل 4,6 مليار سنة كان هناك اراض بركانية صغيرة وطبقة خفيفة من الاتمسفير من الغازات البركانية التي المؤلفة من غاز الكربون وثاني اوكسيد الكربون والآزوت وماءات الكبريت والميتان والامونياك والماء ومن المحتمل ايضا وجود الهيدروجين. موجات الاشعاعات الشمسية الخطرة كانت تخترق جو الارض بدون اي مانع وكانت العواصف والبرق تسود في مناخ الارض الوليدة التي لم يكن فيها اي أثر للحياة.

غير ان موجات الاشعاعات الشمسية والبرق اعطت الطاقة للمواد المعدنية وابرتها على الدخول في تفاعلات كيمياوية انتجت مواد عضوية ومن ثم سلاسل الاحماض الامينية لتخرج من رحمها الحياة، فهل هناك مايدعم هذا السيناريو؟


الحياة ظهرت لمرة واحدة
بالضبط مالذي كان يحدث من تفاصيل في ملايين السنوات الاولى لازال يعتريه الكثير من الشك، ولكن كل المؤشرات تشير الى ان ظروف ذلك العهد لم تتكرر وكانت كافية لظهور حياة قادرة على ان تورث من جيل الى آخر وتطور لتصل الى ظهور العديد من اشكال الكائنات الحية.

ايضا من الصعب تحديد لحظة ظهور الحياة، لانه وبالرغم من تعريف العلماء لمايمكن ان يطلق عليه لقب حي فمن الصعب وضع خيطا بين ماهو حي وماهو ميت. إن ظهور الحياة من مُركبات غير عضوية الى مُركبات عضوية بسيطة الى مُركبات اعقد الى خلية قادرة على البقاء والمحافظة على الذات، لم تحدث بين ليلة وضحاها ولا بكبسة زر من قوى خارقة، وانما بتسلسل مترابط وواضح وبطئ من شئ ميت الى شئ يحتاجه الحي الى مابين الحي والميت واخيرا الى الحي. وبإختصار من شئ ميت بدون جدل الى شئ حي بدون جدل.


مراحل ظهور الحياة
ماهي المراحل التي مرت بها الحياة واين كانت الخطوة الحاسمة الي ادت الى بزوغ فجر الكائن الحي، لايعلم احد على التأكيد، ولكن يملك العلماء الكثير من النظريات بهذا الشأن. إذا نظرنا الى " الحياة" كعملية تطورية جرت على مراحل فأن العائق الاول لظهور الحياة هو تشكيل المُكونات العضوية بإعتبارها الاحجار الاولى، من المُكونات اللاعضوية السائدة في ظروف الارض الاولى. يطلق على المادة " عضوية" إذا كانت تحتوي على ذرات الفحم او ذرات الفحم والهيدروجين وهذه المجموعة من المُركبات تشكل القاعدة لنشوء مختلف المُركبات العضوية والبيلوجية المعروفة لنا على الارض.


مرحلة النشوء الاولى
في بداية العشرينات من القرن الماضي قام العالم الروسي Aleksander Oparin والمختص بالكيمياء النظرية بوضع نظرية إمكانية نشوء مُركبات عضوية بسيطة من غازات الجو وبتأثير البرق واشعة الشمس الفوق بنفسجية. عام 1953 تمكن العالمين Stnley Miler and Harold Urley من تجربة صحة هذه النظرية لاول مرة. في نظام مغلق مصنوع من الزجاج يتكون من حاوية مرتبطة بأنابيب تم تكوين بيئة تتشابه مع بيئة الارض الاولى يحتوي هواءها على الميتان والالامونياك والهيدروجين الذي كان يسبح فوق ماء مغلي، والذي يفترض ان يشابه نبع ماء حار فوق بركان بحري. شريط كهربائي ذو توتر عالي كان كافيا لنشوء الصواعق. بعد انقضاء يومين فقط تحول لون الماء الى اصفر.

التحاليل الكيميائية اظهرت ان الماء يحتوي على الحمض الاميني المسمى glycin, وهو احد الاحجار الرئيسية لبناء البروتين. بعد خمسة ايام اخرى اصبح الماء بنياً واصبح يحتوي على حمضين امينيين جديدين هما alanin and asparagin. الاخير هو حمض معقد نسبيا حسب الفورمولا C4H7NO4, وبالتالي كان كافيا لتأكيد نظرية اوبارين. لقد ظهر ان المواد العضوية الضرورية لتشكيل البروتينات والاحماض الامينية يمكن ان يتشكلوا في ظروف جو الارض الاول من المواد الغير عضوية.

العديد من العلماء اعادوا التجربة في ظروف متعددة ، مثلا الاكتفاء بموجات اشعة مافوق البنفسجية وبدون صواعق والاكتفاء بغاز ثاني اوكسيد الكربون والازوت عوضا عن الميتان والامونياك . لقد نجحت التجارب في تكوين 20 حمضا امينيا داخلا في تكوين البروتين مما يجعل من المستحيل الاعتقاد ان مثل هذه التفاعلات الكيميائية لم تحدث في ظروف الارض الاولى.
من المثير ان اكتشافات حديثة اظهرت ان مواد عضوية يمكن ان تتشكل في الكون الخارجي ايضا ويمكنها ان تصل الى الارض برفقة النيازك والشهب.


مرحلة النشوء الثانية
الخطوة الثانية لنشوء الحياة تتطلب ان تتمكن المُركبات العضوية الاولى من الاتحاد مع بعضها لتشكل مُركبات اكثر تعقيدا، مثلا RNA. هذا الامر ممكن إذا كانت المُركبات محصورة في مجمعات محجوزة بحيث ان تركيزهم يزداد بالتتدريج وان حظهم في الاتحاد يزداد. من اجل ان يصبح هذا التفاعل فعال يجب تقريب المواد العضوية الى بعضها البعض ولهذا السبب اعتقد اوبارين ان المواد العضوية لديها القدرة على تشكيل مايشابه الجيلاتين يسمح بجمعهم الى بعض ويحصرهم.

التجارب العملية اظهرت انه إذا تم تحمية محلول من الاحماض الامينية الى حد تبخر ماء المحلول ومن ثم يضاف اليه الماء من جديد يتشكل دائما كريات هوائية ذات جدران من مادة مشابهة للبروتين. هذه الكريات الهوائية يمكنها ان تقوم بوظيفة " خلية"، حيث يتمكن فيها المواد العضوية من الترابط، حسب العالم Sidney Fox.


الاحماض الامينية "خلقت" الحياة
اليوم يعتقد الكثيرين من العلماء ان هذه الاتحادات جرت حول الجزيئات الطينية التي لها خاصية الربط والارتباط بمختلف المُركبات وتسريع الاتحادات الكيميائية بين عناصرها. العالم الامريكي Jack Szostak من مستشفى ماساتشوسيت في بوسطن الامريكية قام عام 2003 بإجراء مجموعة من التجارب لتقليد ماجرى في السنوات الاولى لنشوء الحياة.


Szostak قام بخلط انواع من الجزيئات الطينية مع RNA التي تشكل جزء من المورثات، واحماض دهنية ، التي تعتبر جزء هام من اجزاء الاغشية الخلوية . في خلال بضعة ساعات قام RNA بربط نفسه بالجزيئات الطينية وبدأت الاحماض الدهنية بإنتاج مايشابه فقاعات جدرانها تتكون من مادة تسمى fosfolipid وهي المادة التي تتكون منها جدران الخلايا، هذه الفقاعة قامت بالاحاطة بالمُكونات العضوية، لتشكل غرفة مغلقة. الجزيئات الطينية كانت جزء هاما من هذا التفاعل، إذ عندما لم يكن هناك طين جرى التفاعل ابطئ بمئة مرة. (الامر الذي يوضح قوله: وخلقناكم من طين)

" الغشاء" الذي نشأ اظهر قدرة على جذب احماض دهنية جديدة الى داخله وبالتالي صارت " الخلية" تنمو. عندما وصل قطرها الى 130 نانوميتر بدأت بالانقسام. الانقسام جرى بإنتظام بدون ان تفقد " الفقاعة" محتوياتها من RNA او اي من العناصر العضوية الاخرى. هذا " الخلية" التي من الممكن ان تكون قد ظهرت مثيلتها بعد فترة قصيرة من نشوء الارض هي نموذج مختبري عن احدى الطرق المحتملة والممكنة لظهور الحياة على الارض

" الخلية او الفقاعة" الناشئة ذاتيا اعطت المزيد من الفضائل الضرورية لنشوء الحياة. لقد تمكنت من إزالة معوقين آخريين في الطريق الى الخلية الحية. اولا تمكنوا من حجز وحماية المكونات الداخلية عن المحيط الخارجي، الامر الذي يضمن للمكونات الداخلية ان تنمو وتطور بدون تأثيرات خارجية غير مرغوبة. والثاني، اعطاء مكوناتها مساحة مناسبة للنمو والانقسام ضمن اطر حاجة المكونات الفردية كما نرى الامر عند الخلايا الحية.

علماء اخرين من بينهم العالم الدانماركي Steen Rasmussen العامل في مختبر لوس آلاموس الوطني في ولاية نيومكسيكو الامريكي. حاولو بطرق مختلفة إنشاء حياة في المختبر. تميزت تجارب راسموسين عن الاخرين بسعيها الى اعطاء " مخلوقاته" القدرة على بناء نفسها بنفسها. عوضا عن تزويدهم بالاحماض الدهنية الجاهزة لبناء " النفس" كان يعطيهم "طعام" يتألف من مُركبات كيميائية تتدخل في بناء الاحماض الدهنية. هذا يعني انه قبل إستخدامها تضطر " مكونات الفقاعة" على القيام بوظيفة اساسية من وظائف الخلية الحية وبالذات القيام بتفاعل كيمياوي يتتطلب طاقة لتحويل " الطعام" الى احجار بناء، تماما كما يحدث عند الخلايا الحية.



هدف التجارب التي قام بها كل من Jack Szostaks and Steen Rasmussens تهدف على المدى البعيد الى التوصل لخلق حياة كاملة. في اثناء ذلك تقوم التجارب بإعطاء فكرة انضج عن لحظة تحول المواد الداخلة في التفاعل من مواد لاحية الى الحالة التي يمكن اعتبارها " حية". من الناحية العلمية لايوجد مايدعو الى الاعتقاد بأن الحياة هي حالة سحرية او خارجة عن نطاق القوانين العامة للمادة. على العكس يمكن القول ان " الحياة" هو عندما يصل التعقيد الى نقطة حرجة. الخلية تنشأ عندما تكون مكوناتها قادرة على القيام بالتفاعلات الصحيحة وقادرة على القيام برد الفعل المناسب عند حدوث التفاعلات. تراكم هذه الافعال وردود الافعال القائمة على صفات المادة الداخلة في التفاعل الى حد كاف يصل بها الى درجة الحياة.


الحياة مجموعة من القطع المتفرقة
يوجد نوعين من الخلايا نوع يسمى eukaryota وتتألف منه خلايا جميع الاحياء عدا البكتريا و Archaea اللذان يتكونان من خلايا النوع الثاني وهو المسمى prokaryota. كائنات النوع الاول نجد ان وظائف خلاياها قد تطورت خطوات بالمقارنة بالنوع الثاني و اصبحت خارج النواة. الجينات تُنسخ ويحتفظ بها في النواة في حين تصنيع البروتين يجري في الريبوسوم اما إنتاج الطاقة فيجري في الميتاكوندري وعند النباتات نجد ان الكلوروبلاتسيرنا هي مأوى التركيب الضوئي. مع بعض تشارك هذه المكونات الموزعة في صناعة الحياة في حين كل منهم على حدة لايمكن اعتبارها " الحياة"، إذ لايستطيعون خلق الوجود الحي بدون بعضهم البعض.

من الناحية النظرية يمكن القول ان الحياة ظهرت من تجميع عدة قطع تكمل بعضها البعض، ومع بعض يشكلون الحياة. النقاط الاساسية الثلاث التي يجب ان تتحقق عند الكائن الحي ليمكن إطلاق صفة الحي عليه هي اولا: ان يتمكن من الاهتمام بنفسه، ثانيا: ان يتمكن من الانقسام وثالثا: ان يتمكن من التطور والنمو. هذه الخصائص من الممكن انها نشأت بالتوازي والى حد ما بدون ارتباط مع بعضها البعض.

البروتينات تحولت الى إنزيمات تنشط التفاعل الكيميائي وبالتالي تساعد على بناء تفاعلات اعقد او تفكك تركيبات سابقة وتحرر الطاقة. هذه الخاصية حققت قدرة الخلية على إدارة شؤونها بنفسها. حاجز الاحماض الدهنية له قدرة على إنشاء حاجز عازل الامر الذي يسمح بنشوء بيئة قادرة على النمو والانقسام. واخيرا تمكن RNA ومن ثم فيما بعد DNA من تنمية القدرة على تخزين المعلومات الوراثية ونقلها خلال عملية الانقسام والتكاثر. ومن خلال عملية الانقسام التي يشارك فيها الكودين تجري الطفرة الى تؤدي الى الانحراف عن الاصل وتحقيق التنوع.

حتى الان لانعلم اي طريق اختارت الحياة لنشوءها ولكن التجارب الجارية تشير الى اننا في الطريق الصحيح للوصول الى جواب إلا إذا ظهر ان الحياة التي ستظهر معنا تختلف عن الحياة الارضية التي نعرفها.


إضغط هنا للوصول الى المصادر:
Livets uppkomst och djurens evolution
My Scientific Discussion of Evolution
Biopoesis
Fox, Sydney W.
HMS Scientist Wins Lasker Award
A role for clay in formation of the first cells
Discoverers of Telomerase Receive
Life Built to Order
Bridging nonliving and living matter
Transitions from Nonliving to Living Matte
A New Game of Life
Self-Reproduction

مع تحياتي

ليست هناك تعليقات: